- محمد زهران
- السٌّمعَة : 0
الْمَشِارَكِات : 465
الــــجـــنــــس :
العمل :
الـــهــــوايــــة :
الـــمــزاج :
اللغة العربية في العصر الجاهلي
الأربعاء يوليو 20, 2011 10:18 am
اللغة العربية في العصر الجاهلي
لا يختلف اثنان في أنّ اللغة العربية كانت معروفة في العصر
الجاهلي , وأنّ لغتنا الجميلة كانت تشغل بال كثير من المفكرين والشعراء
والخطباء , يلتمسون ودّها , وينظمون دررها , ويغترفون من نبع معانيها الثرّ
أجمل القصائد , وأعذب الألحان . ومن يراجع معجم مفرداتها في ذلك العصر ,
يجدهُ من أغنى المعاجم من حيث وفرة الكلمات وكثرة التشابيه , وتعدد الأسماء
للمسمى الواحد .
ومن حسن الحظ أن يحفظ لنا التاريخ شيئاً غير يسير من آداب تلك الفترة
وأشعارها , لعل أهمها تلك القصائد الطويلة التي تسمى بالمعلقات , وقد ذهب
بعض الرواة إلى أنها قصائد كُتبت في القباطيّ بماء الذهب وعُلّقت على أستار
الكعبة . إضافةً إلى العديد من أشعارهم وخطبهم , وأمثالهم , وأخبار حروبهم
ووقائعهم التي تحفظها لنا أُمهات الكتب من كتب الأدب القديمة .
وبرغم وفرة ما وصل إلينا من أدب الجاهليين وشعرهم , إلا أن الضياع قد أتى
على الكثير من آدابهم وأخبارهم , وخاصةً القديمة منها , ويقول أبو عمرو بن
العلاء : " ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقلّه , ولو جاءكم وافراً ,
لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثير " .
ويقدّر الباحثون عمر الأدب المدوّن الذي وصل إلينا من الجاهليين بقرنين من
الزمان قبل الإسلام . ولعلّ من الدليل على شيوع الكتابة في العصر الجاهلي ,
إننا نجد شعراءهم يصفون الأطلال كثيراً بنقوش الكتابة , فها هو المرقَّش
في فاتحة قصيدةٍ له يقول :
الدار قفر والرسوم كما __ رَقَّشَ في ظَهرِ الأديمِ قَلَم
ويقول لبيد في مطلع معلقته :
عفت الديار محلها فمقامها _ بمنى تأبَّدَ غولُها فرجامُهـا
فمدافع الريان عري رسمها __ خلقاً كما ضَمِنَ الوُحيَّ سِلامُها
والوحي : ( الكتابة , والسِّلام : الحجارة البيض التي كانوا يكتبون عليها
وكانوا يكتبون أيضاً في الأدم , أو الأديم الذي مرّ في بيت المرقّش , وهو
الجلد المدبوغ يُكتب عليه , كما كانوا يكتبون في عسب النخل , ويستمر لبيد
في معلقته فيقول:
وجلا السيولُ عن الطلولِ كأنها __ زُبُرٌ تجدُّ مُتونَها أقلامُها
والزبر جمع زبور وهو الكتاب .
ويقول الأخنس بن شهاب التغلبي :
لإبنةِ حِطَّان بن عوفٍ منازلُ __ كما رَقَّشَ العنوان في الرَّقِّ كاتبُ
والرَّقّ : الجلد الرقيق يُكتب عليه .
ويقول سلامة بن جندل وهو فارس جاهليّ معروف :
لمن طللٌ مثل الكتابِ المنمّقِ __ خلا عهدُهُ بين الصُّلَيبِ فمُطرِقِ
والصليب ومطرق : اسمان لمكانين .
كذلك نجدهم يذكرون الصحف والصحائف والكتب التي تعني الرسائل , كما ورد في قصة مقتل طرفة بن العبد :
رُوي أنَّ طَرَفَة بن العبد الذي كان يمدح الملك عمرو بن هند , أحد ملوك
المناذرة ( الذين تأسست دولتهم حول عام 240 م واستمر حكمها حتى سنة 633م
حين فتح عاصمتهم الحيرة خالد بن الوليد ) قد انقلب على الملك وهجاه , فصمّم
عمرو بن هند على التخلّص من طرفة ومن خاله الشاعر المتلمّس , وما كان منه
إلا أن حمّل كلا منهما كتاباً إلى عامله على البحرين , وفي كل كتاب أمر
بقتل حامله , بينما الشاعران يظنّان أن فيهما أمراً بجائزة لهما , وفيما
هما في الطريق ساور الشك صدر المتلمّس فارتاب في أمر كتابه , ففك ختمه ,
وجاء إلى غلام من أهل الحيرة فقال له : أتقرأ يا غلام ؟
فقال : نعم , فأعطاه الصحيفة فقرأها فقال الغلام : أنت المتلمّس ؟ قال :
نعم , قال : النجاة ! فقد أمر بقتلك , فأخذ الصحيفة وقذفها في جدول اسمه
كافر ثم أنشأ يقول :
وألقيتُها بالثني من جنبِ كافرٍ __ كذلك ألقي كلَّ رأيٍ مضلّـل
رضيتُ لها بالماءِ لما رأيتُهــا __ يجولُ بها التيّارُ في كلِّ جـدولِ
وهرب المتلمّس إلى الشام وعند وصوله أنشأ يقول :
من مبلغُ الشعراءِ عن أخويهـمُ __ نبأً فَتَصْدُقُهم بذاكَ الأنفُــسُ
أودى الذي عَلِقَ الصحيفةَ منهما __ ونجا حذار حياتِهِ المُتَلَمِّـــسُ
أما طرفة الذي لم يشكّ في أمر صحيفته , فقد مضى إلى حتفه .
وقد ردّد الشعراء مثل هذه الصور كثيراً في أشعارهم ، وما من ريب في إنّ
ذلك يؤكد أنّ الكتابة كانت معروفةً في العصر الجاهلي , كذلك كانوا يكتبون
عهودهم السياسية , وكانوا يسمون تلك العهود المكتوبة " مهارق " وقد جاء ذكر
هذه المهارق في معلقة الحارث بن حلّزة مشيراً بها إلى ما كُتب من عهود بين
بكر وتغلب إذ يقول :
واذكروا حِلْفَ ذي المجازِ وما __ قُدّمَ فيه العهودُ والكُفـــلاءُ
حذر الجورِ والتعدّي وهل __ ينقضُ ما في المهارق الأهــواءُ
فالعرب إذن , استخدموا الكتابة في العصر الجاهلي لأغراض سياسية وتجارية ,
إضافة الى الأغراض الأخرى المذكورة , وكانوا يجلبون الورق من الصين , وورق
البرديّ من مصر . وبهذا نكون قد ألقينا بصيصاً من نور على هذه الفترة والتي
تمتد حتى بداية القرن الثالث الميلادي , ووجدنا أنّ اللغة العربية كانت
تتمتع بقدر كبير من العناية والاهتمام , تكلماً , وقراءة , وكتابة , أما عن
أحوالها في فترة منسية من التاريخ لم تلقَ عليها إلا أضواء خافتة ضئيلة ..
لا يختلف اثنان في أنّ اللغة العربية كانت معروفة في العصر
الجاهلي , وأنّ لغتنا الجميلة كانت تشغل بال كثير من المفكرين والشعراء
والخطباء , يلتمسون ودّها , وينظمون دررها , ويغترفون من نبع معانيها الثرّ
أجمل القصائد , وأعذب الألحان . ومن يراجع معجم مفرداتها في ذلك العصر ,
يجدهُ من أغنى المعاجم من حيث وفرة الكلمات وكثرة التشابيه , وتعدد الأسماء
للمسمى الواحد .
ومن حسن الحظ أن يحفظ لنا التاريخ شيئاً غير يسير من آداب تلك الفترة
وأشعارها , لعل أهمها تلك القصائد الطويلة التي تسمى بالمعلقات , وقد ذهب
بعض الرواة إلى أنها قصائد كُتبت في القباطيّ بماء الذهب وعُلّقت على أستار
الكعبة . إضافةً إلى العديد من أشعارهم وخطبهم , وأمثالهم , وأخبار حروبهم
ووقائعهم التي تحفظها لنا أُمهات الكتب من كتب الأدب القديمة .
وبرغم وفرة ما وصل إلينا من أدب الجاهليين وشعرهم , إلا أن الضياع قد أتى
على الكثير من آدابهم وأخبارهم , وخاصةً القديمة منها , ويقول أبو عمرو بن
العلاء : " ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقلّه , ولو جاءكم وافراً ,
لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثير " .
ويقدّر الباحثون عمر الأدب المدوّن الذي وصل إلينا من الجاهليين بقرنين من
الزمان قبل الإسلام . ولعلّ من الدليل على شيوع الكتابة في العصر الجاهلي ,
إننا نجد شعراءهم يصفون الأطلال كثيراً بنقوش الكتابة , فها هو المرقَّش
في فاتحة قصيدةٍ له يقول :
الدار قفر والرسوم كما __ رَقَّشَ في ظَهرِ الأديمِ قَلَم
ويقول لبيد في مطلع معلقته :
عفت الديار محلها فمقامها _ بمنى تأبَّدَ غولُها فرجامُهـا
فمدافع الريان عري رسمها __ خلقاً كما ضَمِنَ الوُحيَّ سِلامُها
والوحي : ( الكتابة , والسِّلام : الحجارة البيض التي كانوا يكتبون عليها
وكانوا يكتبون أيضاً في الأدم , أو الأديم الذي مرّ في بيت المرقّش , وهو
الجلد المدبوغ يُكتب عليه , كما كانوا يكتبون في عسب النخل , ويستمر لبيد
في معلقته فيقول:
وجلا السيولُ عن الطلولِ كأنها __ زُبُرٌ تجدُّ مُتونَها أقلامُها
والزبر جمع زبور وهو الكتاب .
ويقول الأخنس بن شهاب التغلبي :
لإبنةِ حِطَّان بن عوفٍ منازلُ __ كما رَقَّشَ العنوان في الرَّقِّ كاتبُ
والرَّقّ : الجلد الرقيق يُكتب عليه .
ويقول سلامة بن جندل وهو فارس جاهليّ معروف :
لمن طللٌ مثل الكتابِ المنمّقِ __ خلا عهدُهُ بين الصُّلَيبِ فمُطرِقِ
والصليب ومطرق : اسمان لمكانين .
كذلك نجدهم يذكرون الصحف والصحائف والكتب التي تعني الرسائل , كما ورد في قصة مقتل طرفة بن العبد :
رُوي أنَّ طَرَفَة بن العبد الذي كان يمدح الملك عمرو بن هند , أحد ملوك
المناذرة ( الذين تأسست دولتهم حول عام 240 م واستمر حكمها حتى سنة 633م
حين فتح عاصمتهم الحيرة خالد بن الوليد ) قد انقلب على الملك وهجاه , فصمّم
عمرو بن هند على التخلّص من طرفة ومن خاله الشاعر المتلمّس , وما كان منه
إلا أن حمّل كلا منهما كتاباً إلى عامله على البحرين , وفي كل كتاب أمر
بقتل حامله , بينما الشاعران يظنّان أن فيهما أمراً بجائزة لهما , وفيما
هما في الطريق ساور الشك صدر المتلمّس فارتاب في أمر كتابه , ففك ختمه ,
وجاء إلى غلام من أهل الحيرة فقال له : أتقرأ يا غلام ؟
فقال : نعم , فأعطاه الصحيفة فقرأها فقال الغلام : أنت المتلمّس ؟ قال :
نعم , قال : النجاة ! فقد أمر بقتلك , فأخذ الصحيفة وقذفها في جدول اسمه
كافر ثم أنشأ يقول :
وألقيتُها بالثني من جنبِ كافرٍ __ كذلك ألقي كلَّ رأيٍ مضلّـل
رضيتُ لها بالماءِ لما رأيتُهــا __ يجولُ بها التيّارُ في كلِّ جـدولِ
وهرب المتلمّس إلى الشام وعند وصوله أنشأ يقول :
من مبلغُ الشعراءِ عن أخويهـمُ __ نبأً فَتَصْدُقُهم بذاكَ الأنفُــسُ
أودى الذي عَلِقَ الصحيفةَ منهما __ ونجا حذار حياتِهِ المُتَلَمِّـــسُ
أما طرفة الذي لم يشكّ في أمر صحيفته , فقد مضى إلى حتفه .
وقد ردّد الشعراء مثل هذه الصور كثيراً في أشعارهم ، وما من ريب في إنّ
ذلك يؤكد أنّ الكتابة كانت معروفةً في العصر الجاهلي , كذلك كانوا يكتبون
عهودهم السياسية , وكانوا يسمون تلك العهود المكتوبة " مهارق " وقد جاء ذكر
هذه المهارق في معلقة الحارث بن حلّزة مشيراً بها إلى ما كُتب من عهود بين
بكر وتغلب إذ يقول :
واذكروا حِلْفَ ذي المجازِ وما __ قُدّمَ فيه العهودُ والكُفـــلاءُ
حذر الجورِ والتعدّي وهل __ ينقضُ ما في المهارق الأهــواءُ
فالعرب إذن , استخدموا الكتابة في العصر الجاهلي لأغراض سياسية وتجارية ,
إضافة الى الأغراض الأخرى المذكورة , وكانوا يجلبون الورق من الصين , وورق
البرديّ من مصر . وبهذا نكون قد ألقينا بصيصاً من نور على هذه الفترة والتي
تمتد حتى بداية القرن الثالث الميلادي , ووجدنا أنّ اللغة العربية كانت
تتمتع بقدر كبير من العناية والاهتمام , تكلماً , وقراءة , وكتابة , أما عن
أحوالها في فترة منسية من التاريخ لم تلقَ عليها إلا أضواء خافتة ضئيلة ..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى